.
سوريا (بعد
الاستقلال) 1945 ـ 1970:
بدأ حكم الاستقلال رئيس
الجمهورية شكري القوتلي وسط أزمة اقتصادية خانقة سنة 1949 وكانت أولى
مهام هذا الحكم رسم سياسة خارجية، والموقف من الدول العربية المجاورة
والعلاقة مع تركيا، ولقد تميزت سنتا 1949 و 1947 بانحلال وفساد كبيرين
في شكليها النيابي والإداري... فالرجال الذين قادوا العمل النضالي
الاستقلالي لا تجربة لهم في الحكم والعمل الحكومي، فبدأت الإضرابات
تتوالى، وجرى تشكيل عدة حكومات في هذه المرحلة لتصحيح الوضع، وكان أكبر
امتحان في هذه المرحلة مر على حكومة جميل مردم بك هو القضية الفلسطينية،
فحين وصل قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سارت المظاهرات في مختلف
المدن السورية، فقام مجلس النواب بإقرار قانون خدمة العلم وزيادة
الضرائب وشراء الأسلحة، واستقال كثير من الضباط السوريون كي يشاركوا في
جيش الانقاذ، وبدأت عصابات مسلحة يقودها أديب الشيشكلي وأكرم الحوراني
بمهاجمة مستوطنات يهودية قرب الحدود مع سوريا، وفي 16 أيار أي بعد
يومين من إعلان بن غوريون قيام دولة إسرائيل دخل الجيش السوري فلسطين
ولكن سرعان ما صُدَّ في وادي الأردن بعد قتال ضار. وفي آب 1948 تشكلت
حكومة جديدة برئاسة جميل مردم بك قامت باعتقال ميشال عفلق بتهمة توزيع
منشورات تدعو إلى حل البرلمان. فنشبت بعد ذلك أزمة سياسية صحبها تدهور
اقتصادي وحصلت مواجهات دموية فاستقالت الحكومة في أول كانون أول 1948
وأصبحت سوريا بلداً بلا حكومة ويهيمن عليه مواطنون هائجون واقتصاد
منهار وقد اخفق معظم السياسيين في تلك الفترة بتشكيل حكومة جديد وفي 3
كانون أول 1948 أمر قائد الجيش حسني الزعيم بالتدخل لوضع حد للاضطرابات
الواسعة وأخضع الصحافة لرقابة قاسية ونجح خالد العظم بتشكيل حكومة حكمت
تحت مظلة الجيش حتى أواخر 1949.
انقلاب الزعيم:
في صباح 30 أذار 1949 قام الزعيم
حسني الزعيم بتسلم زمام الأمور في سوريا فعمد في 3 نيسان إلى حل المجلس
النيابي رسمياً وقام بـ7 نيسان بإعلان إقالة كل من شكري القوتلي وخالد
العظم ووضعهما في سجن المزة.
شكل الزعيم في 17 نيسان 1949
حكومة وترأسها بنفسه ثم انتخب رئيساً للجمهورية بالإجماع ثم شكل حكومة
رأسها محسن البرازي واتخذ الزعيم لنفسه لقب المشير.
وقد حدث على عهده العديد من
المشاكل والقضايا الحساسة مع بعض الدول العربية ولعل أهمها كانت قضية
أنطون سعادة الذي كان رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي وهربه من
لبنان واستقبل لاجئاً سياسياً في سوريا وقد أكرم الزعيم في وفادته
ولكنه فجأة قام في أول تموز بتسليمة إلى السلطات اللبنانية حيث أعدم
فوراً. فكانت ردة الفعل السورية شديدة ومستنكرة مما أضعف شعبيته هذا
إضافة إلى سياسته العامة الموالية للغرب واصلاحاته العلمانية.
انقلاب الحناوي:
وضع حد للزعيم حين أطاح به خصومه
العسكريين في 13 آب 1949 بقيادة سامي الحناوي ومحسن البرازي، وبعد
يومين على الانقلاب سلم الحناوي السلطة رسمياً إلى هاشم الأتاسي، وقد
أعلن الحناوي أن مهمته قد انتهت.
وحدد موعد الانتخابات في 15
تشرين الثاني 1949 وكان من أبرز المرشحين في حزب البعث: ميشال عفلق
وصلاح الدين البيطار وشكلت رابطة العلماء «الجبهة الاشتراكية الإسلامية
الجديدة برئاسة مصطفى السباعي.
قبيل هذه الانتخابات برز موضع
الاتحاد مع العراق، وعادت مصر والسعودية لتمارسان ضغطاً معارضاً، وكان
الحناوي أقرب إلى الجهات التي تحبذ هذا الاتحاد.
وكان أمام المعادين للاتحاد بديل
واحد فقط هو تشكيل تحالف معارض لهذا الاتحاد، وقد كان العقيد أديب
الشيشكلي قائد اللواء الأول المتمركز في درعا قائداً لهذه العناصر
وأكرم الحوراني في حلقة الوصل وتحرك الشيشكلي في 19 كانون الأول 1949
واحتجز اللواء سامي الحناوي وأعلم الرئيس الأتاسي بالأمر وطلب منه
تشكيل حكومة جديدة، وعندما لم ينجح بذلك، قام خالد العظم بتشكيل حكومة
جديدة وفي 7 نيسان أدى الرئيس الأتاسي القسم الدستوري.
عهد هاشم
الأتاسي:
لقد تغيرت عدة حكومات في هذا
العهد فبعد حكومة خالد العظم قام ناظم القدسي بتشكيل حكومتين متتاليتين
وكان الجيش ممثلاً بوزير الدفاع فوزي سلو، ثم عاد خالد العظم وشكل
وزارة جديدة عام 1951 في شهر أذار وفي شهر تموز قدم استقالته ليقوم حسن
الحكيم بتشكيل حكومة جديدة وكان الزعيم سلو وزيراً للدفاع ما يعني
موافقة الشيشكلي على هذه الحكومة، إلا أن الخلاف سرعان ما عاد إلى هذه
الحكومة حول نفوذ الجيش. فقامت أزمة جديدة أطاحت بوزارة الحكيم في 10
تشرين أول 1951 وبين 10 تشرين الثاني و 28 تشرين الثاني كلف الرئيس
الأتاسي على التوالي كل من رشدي الكيخيا ناظم القدسي، زكي الخطيب،
معروف الدواليبي، وسعيد حيدر، عبد الباقي نظام الدين بتشكيل الوزارة
وجميعهم اعتذر بعد يوم أو يومين. إلى أن اقنع الأتاسي الدواليبي بتشكيل
الحكومة وأفلح في ذلك.
انقلاب
الشيشكلي:
في اليوم التالي حصل الانقلاب
الأبيض برئاسة أديب الشيشكلي فاعتقل الوزراء وقدم الأتاسي استقالته
فتولى الشيشكلي كافة أمور الدولة وحلَّ البرلمان وأصدر أمراً بتولى
فوزي سلو السلطتين التشريعية والتنفيذية وحظرت الأحزاب ما عدا البعث
والاشتراكي إلا انهما في 6 نيسان لقيا المصير نفسه.
وفي حزيران 1952 شكل الشيشكلي
حكومة سلو الذي تسلم السلطتين التنفيذية والتشريعية ولم تحوِ أي أسماء
لامعة ومنذ أواخر صيف 1952 بدأت تظهر علامات تململ وسخط في الجيش.
ففي 28 كانون الأول كشف عن
مؤامرة فأحيل عدد من الضباط على التقاعد. منهم رئيس الأركان السابق
أنور بنود، كما اعتقل العديد من المدنيين أهمهم محمود وشوكت وأكرم
الحوراني وميشال عفلق وصلاح الدين البيطار.
وفي عام 1953 ثبت الشيشكلي
رئاسته باستفتاء شعبي، ثم أعلن عن عفو عام عن السجناء السياسيين وتخلى
عن منصبه كرئيس للأركان لشوكت شقير.
وفي أيلول 1953 رفع الشيشكلي
الحظر المفروض على الأحزاب مستثنياً الشيوعيين واندمج حزبا عفلق (البعث)
والحوراني (الاشتراكي) ليصبحا «حزب البعث العربي الاشتراكي» وجاءت
نتائج الانتخاب لمصلحة حركة التحرير العربي (التابعة للشيشكلي).
عودة الأتاسي:
عم الهياج أنحاء سوريا لا سيما
بين الطلبة، وبدأت حالة من التمرد العسكري في حلب في 25 شباط 1954 ما
لبثت أن انضمت لها القيادات العسكرية في باقي المدن السورية، فتباحث
شوكت شقير مع الرئيس الشيشكلي الذي قدم استقالته وهرب إلى بيروت ومنها
إلى السعودية. ثم أعلن بعد ذلك شقير أن الأسباب التي منعت استمرار
الحكم الشرعي ومنعت صاحب الفخامة هاشم الأتاسي من متابعة ممارسة
صلاحياته قد زالت.
بعد مشاورات أجراها الأتاسي شكل
سعيد العزبي في 19 حزيران عام 1954 وزراة محايدة ثم عين الرئيس الأتاسي
موعدا لإجراء الانتخابات في 24 أيلول وفي 5 تموز عاد القوتلي بعد 5
سنوات من النفي ولقي ترحيباً واسعاً، وجرت بعد مشاورات أجراها الأتاسي
شكل سعيد العزبي في 19 حزيران عام 1954 وزراة محايدة ثم عين الرئيس
الأتاسي موعدا لإجراء الانتخابات في 24 أيلول وفي 5 تموز عاد القوتلي
بعد 5 سنوات من النفي ولقي ترحيباً واسعاً، وجرت الانتخابات ففاز
المستقلون بـ29 مقعدا من دون كتلة كان من أهمهم خالد العظم والبعث 17
مقعد وخالد بكداش وغيره...
ثم كلف فارس الخوري بتشكيل حكومة
كان من مهامها مواجهة التوتر بين دمشق والقاهرة نتيجة الحلف الذي يقيمه
الغرب في المنطقة إضافة إلى اختيار جماعة الإخوان المسلمين دمشق مقراً
لها وهي على عداء مع مجلس قيادة الثورة المصرية، ثم كان اعلان العراق
في كانون الثاني 1955 عقد ميثاق مع تركيا فشق العالم العربي بذلك
الاتفاق. فصرّحت الحكومة السورية أنها لن تنضم إلى حلف بغداد وقدم
الخوري استقالته.
بعد ذلك بأيام شكل العسلي وزارته
متضامناً مع خالد العظم وكان البيان الوزاري تصريحاً بالحياد ورفضاً
مجدداً للحلف العراقي التركي ودفاعاً شديداً عن ميثاق الأمن القومي
الذي ترعاه القاهرة وبعد ذلك انضمت سوريا إلى هذا الميثاق مع مصر
والسعودية.
ثم جاءت قضية اغتيال عدنان
المالكي وهو معاون رئيس الأركان العامة للجيش وكان مقاوماً عنيداً لحلف
بغداد وقتله شاب ينتمي للحزب القومي السوري الاجتماعي في 22 نيسان 1955
فكان ذلك سبباً كافياً لتصفية هذا الحزب وتعميق التقارب مع مصر.
عهد شكري
القوتلي:
في 18 آب 1955 انتخب شكري
القوتلي رئيساً للجمهورية وشكل سعيد العزبي في 23 آب حكومته الجديدة
واكتسب الاندفاع نحو اليسار زخماً جديداً قطباه الأساسيان البعثي
والشيوعي.
وفي أواخر 1955 حدث انشقاق في
حزب البعث بين جناحيه (الاشتراكي العربي ـ أكرم الحوراني والبعث
الاشتراكي ـ ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار) حول الحلف الذي شكله جناح
الحوراني مع زعيم الشيوعيين خالد بكداش، وكذلك حول دعوة جناح عفلق
الحكومة بضرورة عدم الذهاب بعيداً في معاداة العراق.
وفي 15 حزيران 1956 شكل صبري
العسلي وزارته وقالت هذه الوزارة في بيانها أنها ستعمل لتحقيق الوحدة
مع مصر والأردن والدول العربية المتحررة الأخرى.
في هذا الوقت حصلت أزمة السويس
في مصر وحصل الاعتداء الأثيم الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على
مصر، فقامت قوات سورية بأمر من عبد الحميد السراج بتدمير عدد من محطات
الضخ البترولية الخاصة بنفط العراق.
وأعلن عن كشف مؤامرة لقلب نظام
الحكم بدعم من العراق فأوقف أفراد هذه المجموعة بينهم 8 نواب، وفي هذا
الجو المحموم أعاد العسلي تشكيل حكومة جديدة أقوى ليتسنى لها التصدي
لهذه المؤامرات ولتقترب أكثر من مشروع الوحدة مع مصر.
وقد طرح وفد سوري هذا الموضوع
عند زيارتهم لمصر ومقابلة عبد الناصر أوائل أذار 1957 وقد كان رد
الرئيس فاتراً نوعاً ما بسبب طبيعة المشاكل السائدة في سوريا، ثم تحول
الخلاف الداخلي في سوريا إلى خلاف دولي. فقد أذاع راديو دمشق في 23 آب
1957 عن كشف مؤامرة حاكتها أميركا للإطاحة بالحكومة السورية فقامت حملة
تطهير في صفوف الجيش ثم أعلنت مصر في 9 أيلول 1957 أنها تمنح سوريا
دعمها غير المشروط. وبعد يومين عقد في القاهرة فجأة اجتماع قمة عسكري
سوري ـ مصري برئاسة عبد الناصر انتهى بوضع جيش الدولتين بإمرة القيادة
المشتركة وقائدها الفريق عبد الحكيم عامر ووصلت إلى سوريا وحدة من
الجيش المصري نزلت في اللاذقية أدت إلى انفجار شعبي حماسي مطالب
بالوحدة السورية المصرية.
الوحدة بين
سورية ومصر:
الجمهورية العربية المتحدة (1
شباط 1958 أيلول 1961) جاءت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه في 9 كانون
الأول 1957 حين عرض ميشال عفلق فكرة حزب البعث حول وضع مشروع قانون من
أجل قيام اتحاد فيدرالي مع مصر ليعرضه على الحكومة، وقد كان حزب البعث
متخوفاً من ازدياد نفوذ الحزب الشيوعي داخل الدولة فوجد البعثيون في
الوحدة مع مصر المخرج الوحيد من هذا المأزق فعبد الناصر لن يسمح بوجود
الشيوعيين بالدولة كما فعل فيمصر. أما الأحزاب السياسية الأخرى ومنها
البعث فستكون مرغمة على حل نفسها فعبد الناصر قرر ألا متسع
للأيديولوجيات السياسية المتصارعة. كما أن عقيدة البعث الوحدوية
والاقتصادية تتفق وعقيدة عبد الناصر لذلك فالقيادة البعثية كانت على
ثقة بأنه سيسمح لها بالإشراف على الحركة السياسة في البلاد. وعلى حين
غرة وصل إلى مصر في 21 كانون الثاني 1958 وفد من الضباط السوريين ولحقه
بعد أيام صلاح الدين البيطار وزير الخارجية ليطلبوا من عبد الناصر
إقامة اتحاد فوري بين البلدين لأن الشيوعيين على وشك استلام مقدرات
البلاد.
بادىء الأمر وافق الشيوعيون على
مشروع الوحدة لكن سرعان ما رفض بكداش التوقيع على إعلان الوحدة ورفض حل
الحزب وغادر سوريا إلى الاتحاد السوفياتي مقاطعاً جلسة انتخاب جمال عبد
الناصر رئيساً للجمهورية العربية المتحدة.
عودة إلى
الانقلابات:
في اليوم التالي للانقلاب
الانفصالي أعلنت في سوريا حكومة جديدة برئاسة مأمون الكزبري وحدد موعد
للانتخابات وفاز فيها غالبية الأحزاب والنواب الذين كانو في مجلس 58
واتجه الحكم من جديد باتجاه العراق فبدأت المعاهدات والاتفاقات تعقد
بين البلدين.
وبدا اللقاء بين رئيسي الدولتين
كأنه يوشك أن يفضي إلى الوحدة بينهما. ولكن سرعان ما غاصت سوريا في
الانقلابات والانقلابات المضادة من جديد خاصة في صفوف ضباط الجيش. بدأت
الأزمة بقيام العقيد النحلاوي، الذي حطم الوحدة بالقبض على الحكومة
وإيداعها السجن مع رئيسها القدسي، وقد أضاف هذا الاستباق باقي الضباط
والناصريين فقاموا بتجميع بعضهم ضده وتمردوا عليه واقتحموا قلعة حلب
وانضم إليهم فيما بعد حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران. وبدأت هذه
الجماعات تخطط للإنقلاب، وفعلاً في 8 أذار 1963 استطاع الضباط البعثيون
من السيطرة على الحكم وإنشاء «المجلس الوطني لقيادة الثورة» الذي راح
يبحث في توحيد الجبهة مع العراق الذي كان البعث فيها قد سبق البعث في
سوريا في الانقلاب الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم ولإجراء مباحثات مع
عبد الناصر لإقامة وحدة ثلاثية (سوريا، مصر، العراق).
وقد أعلنت الوفود المتفاوضة في
16نيسان 1963 عن «ميثاق الوحدة الثلاثية» إلا إن هذا الميثاق لم يعد
الثقة ولم يوقف الصراع بين البعث والقوى الناصرية في سوريا والعراق.
وبفشل الميثاق اندلعت الاضطرابات من جديد واضطر البعث من جديد لإجراء
عمليات إقصاء لكل من هو مخالف لهم، فتم منح المجلس الوطني لقيادة
الثورة من نفسه السلطة التنفيذية والعسكرية.
وفي أعقاب هذه الأزمة ومجيء
حكومة تهدئة رأسها صلاح البيطار تولت الحكم وزارة برئاسة أمين الحافظ
عملت على تأميم موارد البلاد البترولية والمعدنية.
وقد انتقلت هذه الصراعات إلى
داخل حزب البعث لا سيما بعد أن احتل العسكريون مواقع مهمة ومؤثرة داخل
الحزب وقد ساد تشكيل القيادات والوزارات جو من التنافس الحاد على
السلطة وانفجر الصراع الحزبي العلني في حركة حزبية عسكرية ضد القيادة
القومية سميت حركة 23 شباط 1966 تسلم مقاليد الأمور في سوريا إثرها
كبار ضباط الحزب فعين نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية ويوسف زعين
رئيساً للوزراء وصلاح جديد أميناً قطرياً مساعداً ونشطت الحكومة في
إنجاز بعض المشاريع الكبرى: مثل سد الفرات والنزاع مع شركة ABC. بيد أن
حرب 67 حدت كثيراً من نفوذ الحكم السوري فيما بعد واستطاع ضابط طيار
استغلال تلك الظروف ليمسك بالبلد من جديد بحزم ليصل بعد عامين تقريباً
من ذلك لتسلم زمام سوريا فيما بعد.
حرب 67 وخسارة
الجولان:
كانت إسرائيل قبل شهرين من
اندلاع الحرب قد بدأت سلسلة من الانتهاكات لاتفاقية الهدنة مع سوريا
نجم عنها اشتباكات وتهديدات إسرائيلية وفي 13 أيار علمت القيادة
المصرية عن طريق المخابرات السوفياتية بوجود حشود إسرائيلية على الحدود
مع سوريا، فبدأت القوات المصرية عملية حشد واسعة لقواتها وعلنية لتؤكد
أن مصر ستقف مع سوريا إذا ما ضربتها إسرائيل.
وفي صباح الخامس من حزيران 1967
بدأت إسرائيل بهجوم جوي على القواعد الجوية المصرية واستطاعت بفترة
قليلة القضاء على القوات الجوية وسيطرت بالتالي على الجو الأمر الذي
سهل لقواتها البرية بالاندفاع بقوة في سيناء والضفة الغربية والجولان.
ولم يتوقف القتال إلا في 10 حزيران 1967 بعد ما احتلت إسرائيل الضفة
الغربية وسيناء والجولان.
سيطرة الأسد
على الوضع الداخلي:
بقي حافظ الأسد بشكل ما محجوباً
بظل محمد عمران وأمين الحافظ وصلاح جديد، وبعد حرب 67عقد حافظ الأسد
العزم على بناء قاعدة شخصية له في القوات المسلحة. ثم اشتدت الخلافات
بينه وبين زملائه في 1968 حول مختلف الأمور السياسية والحزبية وكذلك
حول الموقف من الفلسطينيين وثورتهم، وسرعان ما أصبح الخلاف المتزايد
بين الأسد وجديد مدار الحديث في الجيش والحزب، وخطوة بعد خطوة راح
الرئيس الأسد يخرج رجال جديد من مراكز النفوذ المختلفة فطرد رئيس
الأركان أحمد سويداني في شباط 68 وعين مصطفى طلاس صديقه مكانه، واستمر
الأسد في إحكام قبضته على الجيش، أما في الحزب فإن المؤتمرين القطري
والقومي رفضاً أكثر طروحات الأسد، ولكنه استطاع على أي حال ازاحة اثنين
من خصومه رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس.
وبانتحار عبد الكريم الجندي في 1 أذار 1969 مدير مكتب الأمن القومي في
الحزب المسيطر على جهاز الأمن والاستخبارات في الدولة والسند الرئيسي
لصلاح جديد تغير ميزان القوة بشكل كبير لصالح الأسد وشقيقه رفعت الذي
كان ذراعه الأيمن في النزاعات الداخلية.
تدخل سوريا في
أيلول الأسود:
قبل انفجار الأزمة في الأردن (أيلول
الأسود 1970) كان الأسد قد أصبح سيد سوريا الأول ولم يقم بنزاع مع صلاح
جديد حول التدخل السوري لدعم الفدائيين. فعبرت القوات السورية الحدود
الأردنية (18 أيلول) وسيطرت على مدينة اربد، وكان الأسد يدير هذه
العمليات شخصياً، وفي 22 أيلول أمر الحسين اللواء المدرع المعزز بالدعم
الجوي بالاشتباك مع الدبابات السورية وبعد ظهر اليوم نفسه كانت الوحدات
السورية عائدة أدراجها إلى سورية وكان الملك حسين قبل يومين قد طلب
المساعدة من الأمريكيين، عندها قامت دبابات الحسين وطائراته بالاشتباك
مع السوريين في 22 أيلول، فأدرك الأسد جدية الموقف ولم تكن لديه النية
في الانخراط في معركة غير متكافئة.
الحركة
التصحيحية والإمساك بالسلطة (1971 ـ 2000):
بعد أسبوع من مغادرة دبابات
سوريا الأردن مات جمال عبد الناصر. وبعد شهر أي في 30 تشرين الأول 1970
دعا صلاح جديد إلى مؤتمر استثنائي للقيادة القومية، وكانت أولى قرارات
المؤتمر أنه أمر وزير الدفاع حافظ الأسد بأن يتوقف عن إجراء أي نقل في
الجيش طيلة فترة انعقاد المؤتمر، ثم اتبعه بقرارات تجرد الأسد وزميله
مصطفى طلاس من مناصبهما القيادية في الجيش والحكومة إلا أن الأسد كان
قد اتخذ احتياطاته ونشر قواته حول قاعة المؤتمر وعندما انتهى المؤتمر
(12 تشرين الثاني) اعتقل حافظ الأسد العديد من خصومه فزج بصلاح جديد
ويوسف زعين ونور الدين الأتاسي بالسجن وهرب وزير الخارجية إبراهيم
ماخوس إلى الجزائر وقد أطلق الرئيس الأسد على هذه العملية الحركة
التصحيحية.
وبدأ الأسد باتباع سياسة جديدة
فعمل على تعديل الخطاب السياسي الذي اعتاده السوريون وكانوا بدأوا
يمقتونة لكثرة ما حمل من شعارات لم تأخذ طريقها للتنفيذ الفعلي.
وتخلى عن حرب الطبقات وبدأ يوسع
قاعدة تأييده الشعبية وفرغ إلى المصالحة الوطنية. وفي 22 شباط 1971
أصبح متمتعاً بصلاحيات كرئيس الجمهورية وفي 12 أذار أدَّى استفتاء شعبي
إلى تثبيته كرئيس للبلاد لمدة سبعة أعوام.
حرب تشرين
الأول 1973:
رفضت سوريا قرار مجلس الأمن
الدولي رقم 242 لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية. ووضعت القيادة
السورية تسليح الجيش وتقويته في صدارة أولوياتها.
وتعددت اللقاءات بين الرئيس حافظ
الأسد والرئيس المصري أنور السادات لتحديد موعد نهائي لبدء الحرب، وقد
اتفقا على أن تكون ساعة الصفر في الساعة الثانية والدقيقة الخامسة بعد
ظهر يوم السبت في 6 تشرين الأول 1973. وفي التاريخ المحدد اجتاح
المصريون والسوريون حواجز الدفاع الإسرائيلية على جبهتي سيناء والجولان
في واحدة من أبرز حالات العبور في تاريخ الحروب، إلا أن الأمور تغيرت
في الأيام التالية، فغيرت مصر من خطتها مع سوريا، فقامت إسرائيل
باستفراد سوريا بالجولان فأعادت الوضع إلى ما كان عليه وحاولت التغلغل
إلى العمق السوري لولا تدخل الجيوش العربية (العراق والأردن) وتشدد
الموقف السوفياتي في إيقاف الحرب.
وتفردت مصر في مباحثاتها مع
الجانب الأمريكي في موضوع السلام في المنطقة، وأدخلت سوريا في عزلة
دولية محكمة.
سوريا والحرب
اللبنانية:
بطلب من رئيس لبنان سليمان
فرنجية تدخلت القوات السورية في لبنان في 13 أيار 1976 لوقف الاقتتال
الداخلي بين الأطراف اللبنانية المتنازعة وكذلك القوات الفلسطينية. إلا
أن الأوضاع بدأت تتأزم بشكل متلاحق بين الأطراف اللبنانية فيما بينهما
من جهة، وكذلك في الجنوب مع الاحتلال الإسرائيلي، فتذرعت إسرائيل
بمحاولة اغتيال سفيرها في لندن وبررت اجتياحها لبيروت عام 1982 بالقضاء
على المقاومة الفلسطينية، وكانت سوريا ضمن هذا النزاع فوقعت عدة معارك
بين الطرفين في البقاع الغربي والأوسط واستطاعت إسرائيل تدمير بطاريات
صواريخ «سام» السورية في عملية مباغتة. وفي هذه الأثناء كان الرئيس
المصري أنور السادات قد توصل إلى حل سلمي مع إسرائيل، فأبلغ الرئيس
الأسد في زيارة خاطفة نيته زيارة إسرائيل، وقد حاول الرئيس الأسد ثني
السادات عن عزمه، إلا إنه فشل في ذلك. وقام السادات بزيارة مفاجئة لتل
أبيب في 20 تشرين الثاني 1977.
وفي 26 أذار 1979 وقعت مصر
اتفاقاً للسلام مع الدولة الصهيونية برعاية الولايات المتحدة الأمريكية
في كامب دايفيد، واستطاعت إسرائيل والولايات المتحدة تحييد أكبر وأقوى
دولة عربية في الصراع العربي الصهيوني.
في لبنان وبعد اجتياح بيروت عام
82 عملت إسرائيل على إقامة صلح منفرد أيضاً مع لبنان عبر رئيسه المنتخب
أمين الجميل (الذي انتخب عقب اغتيال شقيقه الرئيس بشير الجميل) فكان
اتفاق 17 أيار وقد عملت القوى الوطنية اللبنانية وبدعم من سوريا على
اسقاط هذه الاتفاق. ومن ثم القيام بعمليات فدائية جريئة ضد القوات
الإسرائيلية أجبرتها على الانسحاب من بيروت، ومن بعض المناطق الأخرى.
الوضع الداخلي:
كان الوضع داخل سوريا يسير بسرعة
نحو الانفجار، فحادثة مدرسة الضباط في حلب 16 حزيران 1979 التي أودت
بحياة عدد كبير من الضباط منهم علويون وكان قد سبقها عدة عمليات اغتيال
لشخصيات علوية، فاضطر الرئيس الأسد إلى مواجهة تلك المشاكل بحزم شديد،
وقد أوكل هذه المهمة إلى شقيقه الأصغر رفعت. وجاءت المعركة الحاسمة في
حماه أوائل شباط 1982، حيث استطاعت القوات الحكومية ضبط الوضع وإعادة
الأمن، وإلقاء القبض على جميع الأخوان المسلمين.
إلا أن بروز نشاط رفعت الأسد
مكنه من أن يصبح على رأس قوة عسكرية وحزبية وسياسية منافسة للرئيس حافظ
الأسد. ووصلت المواجهة إلى حد كبير، بحيث قام كل منهما بتوزيع قواته في
دمشق استعداداً للمعركة الفاصلة لولا تدارك الرئيس الأسد للموقف في
اللحظة الأخيرة واستطاع بحنكته المعهودة ومن موقع الرئيس والأخ الأكبر
أن يعيد الوضع إلى طبيعته وانتهى الأمر برفعت منفياً في باريس منذ عام
1986. وفي 10 شباط 1986 أعيد من جديد انتخاب حافظ الأسد رئيساً
للجمهورية لولاية ثالثة على التوالي وقد أولى الرئيس في هذه الولاية
اهتماماً كبيراً للاقتصاد، فأطلق سياسة الأنفتاح الاقتصادي نوعاً ما.
وسار في المشاريع الاقتصادية الكبرى المريحة للبلد.
سوريا وحرب
الخليج الثانية:
اجتاحت الجيوش العراقية الكويت
في آب 1990. فعقدت قمة عربية طارئة في القاهرة وانقسمت البلاد العربية
بين مؤيد ومحايد ومعارض للعراق. سوريا أدانت الغزو العراقي للكويت
وقررت إرسال قوات سورية رمزية إلى السعودية، متهمة بغداد بتقديم
الذريعة للأمريكيين لإرسال قواتهم إلى المنطقة وسمحت بنفس الوقت
للمنظمات الفلسطينية في دمشق أن تشن هجوماً إعلامياً على الوجود الغربي
في الخليج العربي. وعمل الرئيس الأسد على حل الأزمة سلمياً فطلب من
الرئيس العراقي الانصياع لقرارات الأمم المتحدة القاضية بسحب قواته من
الكويت لتجنيب الأمة العربية مخاطر عظيمة.
وفي 17 كانون الثاني 1991 أطلقت
الغارات الجوية الأولى على العراق وبعد خمسة أيام من القصف الجوي
المتواصل بدأت الجيوش العراقية بالإنسحاب من الكويت.
تسوية الوضع
النهائي في لبنان:
تركز الاهتمام في لبنان على
الموعد المقرر لانتخاب رئيس جديد يخلف أمين الجميل وتعقد الموقف ولم
تجر انتخابات الرئاسة وانتهى وقت الجميل على حكومتين مختلفتين احداهما
برئاسة سليم الحص والثانية برئاسة العماد ميشال عون الذي حكم منطقة
محاصرة من كل الجهات مساحتها لا تتعدى 1500 كلم2، فأطلق في 14 أذار
1989 حرب التحرير ضد السوريين فتشكلت لجنة عربية خاصة لحل الأزمة
اللبنانية تمثلت بالملك فهد بن عبد العزيز والملك الحسن الثاني والرئيس
الجزائري الشاذلي بن جديد التي عملت على اتفاق خاص جمعت عليه النواب
اللبنانيين في الطائف سمي «اتفاق الطائف» في 22 تشرين الأول 1989.
وكانت دمشق من مؤيدي الطائف ورفض
ميشال عون هذا الاتفاق واعتبر الرئيس اللبناني الياس الهراوي (الذي
انتخب رئيساً للجمهورية عقب اغتيال الرئيس رينيه معوض) غير شرعياً ثم
قام عون بحرب الإلغاء (يهدف منها إلغاء الميليشيات المسلحة للقوات
اللبنانية في مناطقه) وكانت حرباً شرسة بين الفريقين، فطلب الرئيس
الهراوي من الرئيس الأسد التدخل لوضع حد للوضع المتدهور، فقامت سوريا
مع الجيش اللبناني الشرعي بقيادة إميل لحود في 13 تشرين الثاني بدخول
المناطق التي يسيطر عليها ميشال عون وبعد ساعات على بدء المعارك أعلن
عون الاستسلام ولجأ إلى السفارة الفرنسية وهكذا بسطت الشرعية اللبنانية
سيطرتها على كامل الأراضي اللبنانية وأقرت حل جميع الميليشات وسلمت
أسلحتها إلى الجيش اللبناني، وتمت هذه العملية برعاية رئيس الأركان
السوري العماد حكمت الشهابي، ثم وقع الرئيسان الأسد والهراوي في 22
أيار 1991 معاهدة أخوة وتعاون وتضامن.
سوريا ومؤتمر
السلام الدولي:
لقد كان هنالك عدة أسباب سياسية
خارجية دعت إلى تغيير سوريا لسياستها ولنظرتها إلى السلام مع إسرائيل
أهم هذه الأسباب:
ـ عودة الحوار بشكل قوي بين
الاتحاد السوفياتي وإسرائيل الذي أدى إلى هجرة كثيفة لليهود السوفيات
إلى إسرائيل.
ـ كثافة الاتصالات بين العرب
والإسرائيليين وخاصة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ـ نقض الاتحاد السوفياتي لكل
تعهداته لسوريا السابقة.
إضافة إلى الضغط المتواصل من الولايات المتحدة على سوريا.
فعقد على هذا الأساس في 30 تشرين
الأول 1991 مؤتمر السلام الدولي في مدريد برعاية أمريكية سوفياتية
وحضور كل من سوريا والأردن وفلسطين ولبنان وإسرائيل. ومن هذا المؤتمر
انطلقت المفاوضات الثنائية بين العرب والإسرائيليين.
المفاوضات
السورية الإسرائيلية:
جلس السوريون والإسرائيليون على
طاولة المفاوضات وكانت صعبة في أول الأمر بسبب تعنت حكومة الليكود
الإسرائيلية برئاسة اسحق شامير في قراراتها ببناء المستوطنات، إلا إن
نجاح حزب العمل في الانتخابات الإسرائيلية ومجيء رابين على رأس الحكومة
الإسرائيلية غيّر الأوضاع فقد قرر تجميد المستوطنات فدارت الجولة
السادسة من المفاوضات بين 24 آب و25 أيلول 1992 في جو خف فيه التوتر.
وقد أصبحت دمشق في تلك الفترة
مركز لقاء العرب المفاوضين لإسرائيل على أساس الصف الواحد. إلا أن
المفاوضات السرية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لم تكن قد
توقفت بل وصلت إلى اتفاق بينهما سمي «اتفاق اوسلو» مكان المفاوضات.
وقد وقع الطرفان الفلسطيني
والإسرائيلي على هذا الاتفاق رسمياً في 13 أيلول 1993 في واشنطن أعلنت
فيه إسرائيل عن استعدادها اعادة غزة وأريحا للفلسطينيين ليقيموا عليها
حكماً ذاتياً مستقلاً على أن تتبع لاحقاً بتنازلات أخرى.
لم يوافق السوريون واللبنانيون
والأردنيون على هذا الاتفاق إلا أن مصر ودول الخليج رحبت به.
وفي 16 كانون الثاني 1994 التقى
الرئيسان الأمريكي بيل كلنتون والسوري حافظ الأسد في جنيف، وقد بدى على
الرئيس الأسد بعض الاطمئنان بعد اللقاء، وأشرفت المفاوضات الثنائية على
الاستئناف إلا أن وقوع مجزرة الخليل (25 شباط 1994) على يد مستوطن
يهودي أدى إلى انسحاب الوفود السورية واللبنانية والأردنية، واستمر
ياسر عرفات في مفاوضاته إلى أن وقع اتفاقاً جديداً بالقاهرة في 4 أيار
1994 حول نقل السلطة إلى غزة وأريحا. وفي 11 تموز 1994 غادر ياسر عرفات
تونس مركز منظمة التحرير بعد 11 سنة من بقاءه فيها وتوجه إلى غزة ليقيم
فيها «السلطة الفلسطينية».
وفي 25 تموز 1994 أعلن عن اتفاق
«وادي عربة» بين الأردن وإسرائيل، وتالياً وجهت ضربة أخرى للرفض السوري
ولوحدة المفاوضات العربية.
ثم عملت سوريا على تعزيز موقفها
مع الدول العربية فعقدت قمة ثلاثية بين الرئيس الأسد والرئيس المصري
مبارك والملك السعودي فهد في الأسكندرية في 28 ـ 29 كانون الأول 1994.
وقد كانت نتائج هذه القمة إيجابية. إذ أخذت دول الخليج والأردن تخفف من
أندفاعها باتجاه إسرائيل بل وراحت تبدي بعض الصمود تجاه ضغوطات واشنطن
وتعلن دعمها لموقف دمشق.
بعد ذلك اعترف رئيس الوزراء
الإسرائيلي الجديد شميون بيريز الذي جاء عقب اغتيال اسحق رابين على يد
أحد المتطرفين اليهود في 4 تشرين الثاني 1995 بالدور الأساسي لسورية في
المنطقة وتمنى العودة إلى المفاوضات الثنائية دون شروط مسبقة.
وعاد الوفدان إلى واشنطن في 28
كانون الأول 1995 لإجراء سلسلة من المحادثات السرية وكانت هذه
المفاوضات تسير قليلاً وتتعثر كثيراً بسبب الاصرار السوري على ضرورة
الانسحاب أولاً من الجولان وجنوب لبنان ومن ثم الدخول في مناقشة باقي
المواضيع.
ثم توقفت المفاوضات بعد انسحاب
الجانب الإسرائيلي بسبب ثلاث عمليات استشهادية نفذتها حركة المقاومة
الإسلامية حماس، فقررت إسرائيل مقاطعة المفاوضات واتهمت الأسد بدعم
جبهة الرفض في دمشق، وكان الرد السوري أن مثل هذه العمليات هي نتيجة
طبيعية للاحتلال في فلسطين وفي جنوب لبنان.
وعقدت في مصر قمة دولية لمواجهة
الإرهاب في 13 أذار 1996 لم تقدم شيئاً، فقام بيريز بشن حملة عسكرية
على لبنان «عناقيد الغضب» بحجة ضرب «حزب الله» إلا إنه لم يستثنى منطقة
في لبنان من غاراته الجوية إلا أن هذه الحملة باءت بالفشل الذريع خاصة
بعد عرض المجزرة التي قام بها الإسرائيليون في «قانا»، وقامت سوريا
ولبنان باستغلال هذه الأحداث لمصلحتهما إذ استطاعا تشريع عمل المقاومة
في الجنوب مع بعض الشروط الهامشية وذلك فيما عرف بتفاهم نيسان.
خسر بيريز بالانتخابات وحل محله
بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة عن حزب الليكود الذي نسف كل ما كانت
الحكومة السابقة قد تعهدت بقيامه حول السلام فأعلن عن رفض إسرائيل
القبول بدولة فلسطينية والتفاوض حول القدس، كما لم يعد وارداً الإنسحاب
من الجولان. وقد تزامن ذلك مع زيادة عملية الاستيطان في الجولان وباقي
الأراضي المحتلة.
هذا التصعيد المفاجىء من الجانب
الإسرائيلي دعا سوريا إلى دعوة البلدان العربية لعقد قمة طارئة هي
الأولى بعد حرب الخليج الثانية وعقدت القمة في القاهرة في 22 حزيران
1996 ودعت إلى استئناف المفاوضات على قاعدة المؤتمر الدولي في مدريد
وأكدت على ضرورة التمييز بين الإرهاب وأعمال المقاومة، يذكر أن الرئيس
حافظ الأسد مني بنكسة كبيرة وذلك بخسارته لابنه البكر باسل في
12/1/1994 في حادث سيارة على طريق مطار دمشق الدولي، ومعلوم أن الرئيس
حافظ الأسد كان يعد ابنه باسل لأخذ دور مهم في السياسة السورية خاصة
أنه كان على صلة بالعديد من القضايا السياسية المحلية والخارجية وكان
برتبة رائد ركن، وبوفاة باسل انتقل الاهتمام إلى شقيقه الأصغر الدكتور
بشار الأسد الذي باشر تدريباته بالتحاقه بالمدرسة الحربية وتدرجه
بالرتب العسكرية أضف إلى ذلك أنه قد أسندت إليه بعض القضايا السياسية
على الساحة الداخلية، وعلى الساحة الخارجية زياراته للعديد من الدول
العربية وعلاقاته مع العديد من المسؤولين العرب.
الولاية
الرابعة للأسد:
وفي شباط 1998 تم تجديد انتخاب
الأسد لولاية رابعة على التوالي بأغلبية ساحقة بلغت 99،9%، وعادت
المساعي الأمريكية من جديد لإحياء المفاوضات السورية الإسرائيلية. وكان
الرئيس الأسد يؤكد التزامه عملية السلام في ظل القرارات الدولية التي
تدعو إسرائيل إلى الإنسحاب من الأراضي العربية التي احتلها في 5 حزيران
1967. ومع مجيء ايهود باراك على رأس الحكومة الإسرائيلية، وتشجيعه
لعملية السلام مع سوريا، استطاعت واشنطن جمع باراك مع فاروق الشرع وزير
الخارجية السورية في واشنطن، إلا أن مفاوضات الطرفين وصلت إلى طريق
مسدود، بسبب التعنت الإسرائيلي بعدم الإنسحاب من الجولان السوري المحتل.
ثم رفعت الادارة الأمريكية يدها
عن موضوع المفاوضات عقب قمة جنيف الفاشلة بين الرئيس الأسد وبيل
كلينتون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، عندما أصر الرئيس السوري على
عدم التنازل عن أي بقعة محتلة من الأراضي السورية.
وفاة الرئيس
حافظ الأسد:
في 10 حزيران 2000 أذيع نبأ
وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد عن عمر يناهز التاسع وسنتين سنة بعد حكم
طال 30 سنة في رئاسة الجمهورية، تميز فيها بالحكمة والحنكة وعدم
التوقيع على اتفاق للسلام مع الجانب الإسرائيلي وعدم التفريط بالحقوق
العربية وقد شارك في تشييع الأسد حوالي مليون شخص تقدمهم كبار الرؤساء
في العالم العربي والإسلامي. وقد شهدت جنازة الأسد مبايعة من الشعب
السوري لنجل الرئيس الراحل الدكتور بشار حافظ الأسد الذي كان يتقبل
التعازي من زعماء العالم على رأس القيادة السورية، فاختار الشعب السوري
فيما يشبه الإجماع الدكتور بشار الأسد رئيساً منتخباً للجمهورية بعد
حصوله على رئاسة حزب البعث الحاكم وترشيح مجلس الشعب وكافة القوى
السياسية الوطنية في المجلس.
==============================================