بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا.
اخواني اخواتي الكرام والغوالي الاعزاء ... احييكم من كل قلبي ... يا اسرتنا الغالية في بيتنا العامر الزاهر ... والمشرق بوجودكم ... اليوم اهديكم بما تفضل به وانعم علي رب العالمين الرحمن الرحيم ... العلي الاعلى وهذا من فضله سبحانه وتعالى ... واحمده واشكره على تلك النعمة العظيمة
... واحب ان نتعلم سوية على علم من علوم اللغة العربية وهي لغة القران الكريم ولغة اهل الجنة ... وهذا العلم هو علم المنطق عسى ان نستفاد جميعا ان شاء الله تعالى ... ونسألكم الدعاء .
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
تحية أخويه صادقه خالصة مخلصة
اما بعد :-
الحاجة إلى المنطق
خلق الله الإنسان مفطوراً على النطق، وجعل اللسان آلة ينطق بها ولكن - مع ذلك - يحتاج إلى ما يقوم نطقه ويصلحه ليكون كلامه على طبق اللغة التي يتعلمها، من ناحية هيئات الألفاظ وموادها: فيحتاج - أولاً - إلى المدرب الذي يعوَّده على ممارستها، و - ثانياً - إلى قانون يرجع إليه يعصم لسانه عن الخطأ. وذلك هو النحو والصرف.
وكذلك خلق الله الإنسان مفطوراً على التفكير بما منحه من قوة عاقلة مفكرة، لا كالعجماوات. ولكن - مع ذلك - نجده كثير الخطأ في أفكاره: فيحسب ما ليس بعلة علة، وما ليس بنتيجة لأفكاره نتيجة، وما ليس ببرهان برهاناَ، وقد يعتقد بأمر فاسد أو صحيح من مقدمات فاسدة... وهكذا. فهو- إذن - بحاجة إلى ما يصحح أفكاره ويرشده إلى طريق الاستنتاج الصحيح، ويدرِّبه على تنظيم أفكاره وتعديلها. وقد ذكروا أن (علم المنطق) هو الأداة التي يستعين بها الإنسان على العصمة من الخطأ، وترشده إلى تصحيح أفكاره، فكما أن النحو والصرف لا يعلمان الإنسان النطق وإنما يعلمانه تصحيح النطق، فكذلك علم المنطق لا يعلم الإنسان التفكير، بل يرشده إلى تصحيح التفكير.
إذن فحاجتنا إلى المنطق هي تصحيح أفكارنا. وما أعظمها من حاجة! ولو قلتم: أن الناس يدرسون المنطق ويخطئون في تفكيرهم فلا نفع فيه، قلنا لكم: أن الناس يدرسون علمي النحو والصرف، ويخطئون في نطقهم، وليس ذلك إلا لأن الدارس للعلم لا يحصل على ملكة العلم، أو لا يراعي قواعده عند الحاجة، أو يخطئ في تطبيقها، فيشذ عن الصواب.
تعريف علم المنطق
ولذلك عرفوا علم المنطق بأنه (آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر). فانظر إلى كلمة (مراعاتها)، واعرف السر فيها كما قدمناه، فليس كل من تعلم المنطق عُصم عن الخطأ في الفكر، كما أنه ليس كل من تعلم النحو عُصم عن الخطأ في اللسان، بل لابد من مراعاة القواعد وملاحظتها عند الحاجة، ليعصم ذهنه أو لسانه.
المنطق آلة:
وانظر إلى كلمة (آلة) في التعريف وتأمل معناها، تعرف أن المنطق إنما هو من قسم العلوم الآلية التي تستخدم لحصول غاية، هي غير معرفة نفس مسائل العلم، فهو يتكفل ببيان الطرق العامة الصحيحة التي يتوصل بها الفكر إلى الحقائق المجهولة، كما يبحث (علم الجبر) عن طرق حل المعادلات التي بها يتوصل الرياضي إلى المجهولات الحسابية.
وببيان أوضح: علم المنطق يعلمك القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل ذهنك إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم، فيعلمك على أية هيئة وترتيب فكري تنتقل من الصور الحاضرة في ذهنك إلى الأمور الغائبة عنك - ولذا سموا هذا العلم (الميزان) و(المعيار) من الوزن والعيار، ووسموه بأنه (خادم العلوم) حتى علم الجبر الذي شبهنا هذا العلم به، يرتكز حل مسائله وقضاياه عليه.
فلابد لطالب هذا العلم من استعمال التمرينات لهذه الأداة وإجراء عمليتها في أثناء الدراسة، شأن العلوم الرياضية والطبيعية.
العلـم
قلنا: إن الله تعالى خلق الإنسان مفطوراً على التفكير مستعداً لتحصيل المعارف بما أعطي من قوة عاقلة مفكرة يمتاز بها عن العجماوات. ولا بأس ببيان موطن هذا الامتياز من أقسام العلم الذي نبحث عنه، مقدمة لتعريف العلم ولبيان علاقة المنطق به، فنقول:
1- إذا ولد الإنسان يولد وهو خالي النفس من كل فكرة وعلم فعلي، سوى هذا الاستعداد الفطري. فإذا نشأ وأصبح ينظر ويسمع ويذوق ويشم ويلمس، نراه يحس بما حوله من الأشياء ويتأثر بها التأثر المناسب، فتنفعل نفسه بها، فنعرف أن نفسه التي كانت خالية أصبحت مشغولة بحالة جديدة نسميها (العلم)، وهي العلم الحسي الذي هو ليس إلا حس النفس بالأشياء التي تنالها الحواس الخمس: (الباصرة، السامعة، الشامة، الذائقة، اللامسة). وهذا أول درجات العلم، وهو رأس المال لجميع العلوم التي يحصل عليها الإنسان، ويشاركه فيه سائر الحيوانات التي لها جميع هذه الحواس أو بعضها.
2- ثم تترقى مدارك الطفل فيتصرف ذهنه في صور المحسوسات المحفوظة عنده، فينسب بعضها إلى بعض: هذا أطول من ذاك، وهذا الضوء أنور من الآخر أو مثله... ويؤلف بعضها من بعض تأليفاً قد لا يكون له وجود في الخارج، كتأليفه لصور الأشياء التي يسمع بها ولا يراها، فيتخيل البلدة التي لم يرها، مؤلفة من الصور الذهنية المعروفة عنده من مشاهداته للبلدان. وهذا هو (العلم الخيالي) يحصل عليه الإنسان بقوة (الخيال)، وقد يشاركه فيه بعض الحيوانات.
3- ثم يتوسع في إدراكه إلى أكثر من المحسوسات، فيدرك المعاني الجزئية التي لا مادة لها ولا مقدار: مثل حب أبويه له وعداوة مبغضيه، وخوف الخائف، وحزن الثاكل، وفرح المستبشر... وهذا هو (العلم الوهمي) يحصل عليه الإنسان كغيره من الحيوانات بقوة (الوهم). وهي - هذه القوة - موضع افتراق الإنسان عن الحيوان، فيترك الحيوان وحده يدبر إدراكاته بالوهم فقط ويصرفها بما يستطيعه من هذه القوة والحول المحدود.
4- ثم يذهب هو - الإنسان - في طريقه وحده متميزاً عن الحيوان بقوة العقل والفكر التي لا حد لها ولا نهاية، فيدير بها دفة مدركاته الحسية والخيالية والوهمية، ويميز الصحيح منها عن الفاسد، وينتزع المعاني الكلية من الجزئيات التي أدركها فيتعقلها، ويقيس بعضها على بعض، وينتقل من معلوم إلى آخر، ويستنتج ويحكم، ويتصرف ما شاءت له قدرته العقلية والفكرية. وهذا (العلم) الذي يحصل للإنسان بهذه القوة هو العلم الأكمل الذي كان به الإنسان إنساناً، ولأجل نموه وتكامله وضعت العلوم وألفت الفنون، وبه تفاوتت الطبقات واختلفت الناس. وعلم المنطق وضع من بين العلوم، لأجل تنظيم تصرفات هذه القوة خوفاً من تأثير الوهم والخيال عليها. ومن ذهابها في غير الصراط المستقيم لها.
تعريف العلم:
وقد تسأل على أي نحو تحصل للإنسان هذه الإدراكات؟ ونحن قد قربنا لك فيما مضى نحو حصول هذه الإدراكات بعض الشيء، ولزيادة التوضيح نكلفك أن تنظر إلى شيء أمامك ثم تطبق عينيك موجهاً نفسك نحوه، فستجد في نفسك كأنك لا تزال مفتوح العينين تنظر إليه، وكذلك إذا سمعت دقات الساعة - مثلاً - ثم سددت أذنيك موجهاً نفسك نحوها، فستحس من نفسك كأنك لا تزال تسمعها... وهكذا في كل حواسك. إذا جربت مثل هذه الأمور ودققتها جيداً يسهل عليك أن تعرف أن الإدراك أو العلم إنما هو انطباع صور الأشياء في نفسك لا فرق بين مدركاتك في جميع مراتبها، كما تنطبع صور الأشياء في المرآة. ولذلك عرفوا العلم بأنه: «حضور صورة الشيء عند العقل».
أو فقل انطباعه في العقل، لا فرق بين التعبيرين في المقصود.
التصور والتصديق
إذا رسمت مثلثاً تحدث في ذهنك صورة له، هي علمك بهذا المثلث، ويسمى هذا العلم (بالتصور). وهو تصور مجرد لا يستتبع جزماً واعتقاداً. وإذا تنبهت إلى زوايا المثلث تحدث لها أيضاً صورة في ذهنك. وهي أيضاً من (التصور المجرد). وإذا رسمت خطاً أفقياً وفوقه خطاً عمودياً مقاطعاً له تحدث زاويتان قائمتان، فتنتقش صورة الخطين والزاويتين في ذهنك. وهي من (التصور المجرد) أيضاً.
وإذا أردت أن تقارن بين القائمتين ومجموع زوايا المثلث، فتسأل في نفسك هل هما متساويان؟ وتشك في تساويهما، تحدث عندك صورة لنسبة التساوي بينهما وهي من (التصور المجرد) أيضاً.
فإذا برهنت على تساويهما تحصل لك حالة جديدة مغايرة للحالات السابقة. وهي إدراكك لمطابقة النسبة للواقع المستلزم لحكم النفس وإذعانها وتصديقها بالمطابقة. وهذه الحالة أيضاً (صورة المطابقة للواقع التي تعقلتها وأدركتها) هي التي تسمى (بالتصديق)، لأنها إدراك يستلزم تصديق النفس وإذعانها، تسمية للشيء باسم لازمه الذي لا ينفك عنه.
إذن، إدراك زوايا المثلث، وإدراك الزاويتين القائمتين، وإدراك نسبة التساوي بينهما كلها (تصورات مجردة) لا يتبعها حكم وتصديق. أما إدراك أن هذا التساوي صحيح واقع مطابق للحقيقة في نفس الأمر فهو (تصديق).
وكذلك إذا أدركت أن النسبة في الخبر غير مطابقة للواقع، فهذا الإدراك (تصديق).
(تنبيه) - إذا لاحظت ما مضى يظهر لك أن التصور والإدراك والعلم كلها ألفاظ لمعنى واحد، وهو: حضور صور الأشياء عند العقل.
فالتصديق أيضاً تصور ولكنه تصور يستتبع الحكم وقناعة النفس وتصديقها. وإنما لأجل التمييز بين التصور المجرد أي غير المستتبع للحكم، وبين التصور المستتبع له، سمي الأول (تصوراً) لأنه تصور محض ساذج مجرد فيستحق إطلاق لفظ (التصور) عليه مجرداً من كل قيد، وسمي الثاني (تصديقاً) لأنه يستتبع الحكم والتصديق، كما قلنا تسمية للشيء باسم لازمه.
أما إذا قيل: (التصور المطلق) فانما يراد به ما يساوق العلم والإدراك فيعم كلا التصورين: التصور المجرد، والتصور المستتبع للحكم (التصديق).
بماذا يتعلق التصديق والتصور؟
ليس للتصديق إلا مورد واحد يتعلق به، وهو النسبة في الجملة الخبرية عند الحكم والإذعان بمطابقتها للواقع أو عدم مطابقتها.
وأما التصور فيتعلق بأحد أربعة أمور:
1- (المفرد) من اسم، وفعل «كلمة»، وحرف «أداة».
2- (النسبة في الخبر) عند الشك فيها أو توهمها، حيث لا تصديق، كتصورنا لنسبة السكنى فى المريخ - مثلاً - عندما يقال: «المريخ مسكون».
3- (النسبة في الإنشاء) من أمر ونهي وتمن واستفهام... إلى آخر الأمور الإنشائية التي لا واقع لها وراء الكلام، فلا مطابقة فيها للواقع خارج الكلام، فلا تصديق ولا إذعان.
4- (المركب الناقص) كالمضاف والمضاف إليه، والشبيه بالمضاف، والموصول وصلته، والصفة والموصوف، وكل واحد من طرفي الجملة الشرطية... إلى آخر المركبات الناقصة التي لا يستتبع تصورها تصديقاً وإذعانا: ففي قوله تعالى: {إِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا}، الشرط (تعدوا نعمة الله) معلوم تصوري والجزاء (لا تحصوها) معلوم تصوري أيضاً. وإنما كانا معلومين تصوريين لأنهما وقعا كذلك جزاءاً وشرطاً فى الجملة الشرطية وإلا ففي أنفسهما لولاها كل منهما معلوم تصديقي. وقوله (نعمة الله) معلوم تصوري مضاف. ومجموع الجملة معلوم تصديقي.
أقسام التصديق:
ينقسم التصديق إلى قسمين: يقين وظن، لأن التصديق هو ترجيح أحد طرفي الخبر وهما الوقوع واللاوقوع سواء كان الطرف الآخر محتملاً أو لا فإن كان هذا الترجيح مع نفي احتمال الطرف الآخر بتاً فهو (اليقين)، وإن كان مع وجود الاحتمال ضعيفاً فهو (الظن).
وتوضيح ذلك: إنك إذا عرضت على نفسك خبراً من الأخبار فأنت لا تخلو عن إحدى حالات أربع: إما إنك لا تجوّز إلا طرفاً واحداً منه إما وقوع الخبر أو عدم وقوعه، وإما أن تجوّز الطرفين وتحتملهما معاً. والأول هو اليقين. والثاني وهو تجويز الطرفين له ثلاث صور، لأنه لا يخلو إما أن يتساوى الطرفان في الاحتمال أو يترجح أحدهما على الآخر: فإن تساوى الطرفان فهو المسمى (بالشك) وإن ترجح أحدهما فإن كان الراجح مضمون الخبر ووقوعه فهو (الظن) الذي هو من أقسام التصديق. وإن كان الراجح الطرف الآخر فهو (الوهم) الذي هو من أقسام الجهل وهو عكس الظن. فتكون الحالات أربعاً، ولا خامسة لها:
1- (اليقين) وهو أن تصدق بمضمون الخبر ولا تحتمل كذبه أو تصدق بعدمه ولا تحتمل صدقه، أي أنك تصدق به على نحو الجزم وهو أعلى قسمي التصديق.
2- (الظن) وهو أن ترجح مضمون الخبر أو عدمه مع تجويز الطرف الآخر، وهو أدنى قسمي التصديق.
3- (الوهم) وهو أن تحتمل مضمون الخبر أو عدمه مع ترجيح الطرف الآخر.
4- (الشك) وهو أن يتساوى احتمال الوقوع واحتمال العدم.
(تنبيه) - يعرف مما تقدم أمران:
(الأول): أن الوهم والشك ليسا من أقسام التصديق بل هما من أقسام الجهل، و(الثاني): أن الظن والوهم دائماً يتعاكسان: فإنك إذا توهمت مضمون الخبر فأنت تظن بعدمه، وإذا كنت تتوهم عدمه فإنك تظن بمضمونه، فيكون الظن لأحد الطرفين توهماً للطرف الآخر.
الجهـل وأقسـامه
ليس الجهل إلا عدم العلم ممن له الاستعداد للعلم والتمكن منه، فالجمادات والعجماوات لا نسميها جاهلة ولا عالمة، مثل العمى، فإنه عدم البصر فيمن شأنه أن يبصر، فلا يسمى الحجر أعمى. وسيأتي أن مثل هذا يسمى (عدم ملكة) ومقابله وهو العلم أو البصر يسمى (ملكة)، فيقال أن العلم والجهل متقابلان تقابل الملكة وعدمها.
والجهل على قسمين كما أن العلم على قسمين لأنه يقابل العلم فيبادله في موارده فتارة يبادل التصور أي يكون في مورده وأخرى يبادل التصديق أي يكون في مورده، فيصح بالمناسبة أن نسمي الأول (الجهل التصوري) والثاني (الجهل التصديقي).
ثم إنهم يقولون أن الجهل ينقسم إلى قسمين: بسيط ومركب. وفي الحقيقة أن الجهل التصديقي خاصة هو الذي ينقسم إليهما، ولهذا اقتضى أن نقسم الجهل إلى تصوري وتصديقي ونسميهما بهذه التسمية. وأما الجهل التصوري فلا يكون إلا بسيطاً كما سيتضح.
ولنبين القسمين فنقول:
1- (الجهل البسيط) أن يجهل الإنسان شيئاً وهو ملتفت إلى جهله فيعلم أنه لا يعلم، كجهلنا بوجود السكان في المريخ، فإنا نجهل ذلك ونعلم بجهلنا فليس لنا إلا جهل واحد.
2- (الجهل المركب) أن يجهل الإنسان شيئاً وهو غير ملتفت إلى أنه جاهل به، بل يعتقد أنه من أهل العلم به، فلا يعلم أنه لا يعلم، كأهل الاعتقادات الفاسدة الذين يحسبون أنهم عالمون بالحقائق، وهم جاهلون بها في الواقع.
ويسمون هذا مركباً ﻷنه يتركب من جهلين: الجهل بالواقع والجهل بهذا الجهل. وهو أقبح وأهجن القسمين. ويختص هذا في مورد التصديق ﻷنه لا يكون إلاّ مع الاعتقاد.
ليس الجهل المركب من العلم
يزعم بعضهم دخول الجهل المركب في العلم فيجعله من أقسامه، نظراً إلى أنه يتضمّن الاعتقاد والجزم وإن خالف الواقع. ولكنا إذا دقّقنا تعريف العلم نعرف ابتعاد هذا الزعم عن الصواب وأنه أي هذا الزعم من الجهل المركب، ﻷن معنى (حضور صورة الشيء عند العقل) أن تحضر صورة نفس ذلك الشيء أما إذا حضرت صورة غيره بزعم أنها صورته فلم تحضر صورة الشيء، بل صورة شيء آخر زاعماً أنها هي. وهذا هو حال الجهل المركب، فلا يدخل تحت تعريف العلم. فمن يعتقد أن اﻷرض مسطحة لم تحضر عنده صورة النسبة الواقعية وهي أن اﻷرض كروية، وإنما حضرت صورة نسبة أخرى يتخيل أنها الواقع.
وفي الحقيقة أن الجهل المركب يتخيل صاحبه أنه من العلم، ولكنه ليس بعلم. وكيف يصح أن يكون الشيء من أقسام مقابله، والاعتقاد لا يغير الحقائق، فالشبح من بعيد الذي يعتقده الناظر إنساناً وهو ليس بإنسان لا يصيره الاعتقاد إنساناً على الحقيقة